في اليمن، البلد الذي يحتل المرتبة الأخيرة في مؤشر الفجوة بين الجنسين في العالم، بينما كان للنزاع في اليمن تأثير مروّع على جميع المدنيين بشكل عام، تأثرت النساء والفتيات بشكل غير متناسب. أدت القوالب النمطية السلبية المتعلقة بالنوع الاجتماعي، فضلاً عن النزاع المسلح الذي طال أمده، والتهجير القسري، وتدهور المؤسسات، والركود الاقتصادي إلى تفاقم الوضع غير المستقر للمرأة في البلاد، سيما المرأة المهمشة.
مسك 35 عاما، فتاة من الفئة المهمشة، تعيش في محافظة تعز، تحب العمل المجتمعي، وتأمل أن تكون في أحد مواقع صناعة القرار، بدأت مسك حياتها من الريف حيث نشأت وترعرعت في أحد أرياف محافظة تعز، وهناك تلقت تعليمها الأساسي والثانوي، لتنتقل في العام 2011 من الريف الى المدينة، لتكمل تعليمها الجامعي في قسم اللغة العربية في جامعة تعز، لتلتحق مؤخرا بإحدى الجامعات الخاصة لدراسة الحقوق.
أدت القوالب النمطية السلبية المتعلقة بالتمييز بين فئات المجتمع اليمني، الى تأصيل الانقسام الطبقي، لتصنف هذه الفئة تحت مسمى معين يعبر عن تمييز سلبي، الى جانب حصرهم على مهن محددة الامر الذي ساهم بشكل كبير في حرمانهم من الفرص الأخرى، وعلى الرغم من القوانين الدولية التي تجرّم التمييز العنصري، والقوانين المحلية النافذة التي تحرّم التمييز بين أفراد المجتمع اليمني، ساهم المجتمع نفسه ساهم منذ القدم في فرض الانقسامات الطبقية بين فئات المجتمع.
بعد وصولها الى المدينة، وخلال اقامتها في تعز، وبسبب حبها الكبير للعمل المجتمعي، اخذت مسك تفتش عن حياة النساء المهمشات في مدينة تعز، لتواجه بذلك مالم يسرها، نساء، قذفت بهن الأعراف والتقاليد والتمايز الطبقي والعرقي خارج أسوار المجتمع، مجردات من أبسط حقوقهن الإنسانية.
أخذت مسك على عاتقها دعم تلك النساء، وأطلقت مبادرتها الرامية لدعم النساء المهمشات، لتوصل بذلك صوتها القادم من الريف، الى السلطة المحلية في الحافظة، وتلقى الدعم الاولي منهم، لتنشئ بذلك كيانا صلبا، يستمد قوته من إيمانه الراسخ بقضيته التي نشأ من أجلها.
في نهاية العام 2014 قامت مسك بتأسيس جمعية كفاية الاجتماعية، والتي تهدف بدرجة أساسية الى، زيادة الوعي لدى النساء المهمشات بحقوقهن الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، ومناصرة قضايا النساء المهمشات ودعمها امام المحاكم، بالإضافة الى دعم وتمكين النساء اقتصاديا، لتكون بذلك أول كيان يعالج قضايا النساء المهمشات، تقوده امرأة مهمشة، في تعز، وبسبب قلة الإمكانات، لم تستطع مسك إيجاد مقر، شراء أصول لجمعيتها، الامر الذي ساهم بشكل كبير في عزوف بعض الداعمين عن تمويلها.
لقد بدأت الحرب في مدينة تعز مطلع العام 2015، لينتهي معها عمل اغلب الجهات الحكومية وغير الحكومية في مدينة تعز، الامر الذي جعل حياة السكان تمر بفصول من المعاناة التي تزداد كلما ازداد امد الحرب، بينما كان للنزاع في اليمن تأثير مروّع على جميع المدنيين بشكل عام، تأثرت النساء والفتيات بشكل خاص، سيما المهمشات، بسبب ما تتعرض له، من استغلال، وحرمان، وتهميش لأدوارهن في جميع مجالات الحياة.
بعد تصاعد القتال في تعز، واجهت جمعية كفاية مزيدا من الصعوبات والتحديات، والتي تمثلت في انعدام التمويل الذي كانت تحتاجه لتنفيذ أنشطتها الرامية الى دعم النساء المهمشات في جميع مجالات الحياة، لكن بهمتها العالية وإيمانها الكبير بأحقيتهن في الحصول على الدعم والرعاية، بدأت بتنفيذ بعض الأنشطة بدعم ذاتي، من خلال المبادرات التي أطلقتها مسك وبعض النساء المهمشات، اللاتي حصلن على التعليم،
تقول مسك: "لقد أصبحت المرأة المهمشة خصوصا في حالة الحرب بحاجة أكبر الى الرعاية، فهي بحاجة الى الرعاية في الجانب الاغاثي، الى جانب احتياجها الكبير الى الجانب القانوني".
على الرغم من تعرضها للإصابة اثناء تقديم خدماتها في أحد احياء المدينة، ضلت مسك ومن خلال جمعيتها كفاية، تقديم خدماتها دون كلل أو ملل، للمجتمع ككل، فلقد عملت على إيصال المياه للأحياء المحاصر، بالإضافة الى تقديم الإغاثة لبعض الاسر المتأثرة من النزاعات، الى جانب مساهمتها في إيصال الدواء الى المستشفيات في الوقت الذي كانت فيه أغلب مستشفيات تعز تعاني من نقص الدواء والاكسجين جراء الحصار.
بحسب مسك، في العام 2020 حصلت كفاية على دعم من إحدى المنظمات الدولية، قدمت لها تأثيث كامل، لتقوم بعدها بدعمها بمشروع اخر استطاعت مسك من خلاله، بناء قدرات عدد من الشباب والشابات المهمشين في الجوانب التنموية والحكم الرشيد، كان هذين المشروعين بداية انطلاقة لها استطاعت من خلالها جمعية كفاية بالضهور شيئا فشيئا.
إن المشاركة النشطة للنساء والشباب في مجتمعاتهم تمنحهم القبول والاحترام والتقدير من صانعي القرار وقادة المجتمع الآخرين، مما قد يسهل جهودهم في زيادة الوعي والمناصرة على مستوى المجتمع.
لحسن حظ مسك وشباب وشابات آخرين في محافظة تعز، قدمت منظمة أجيال بلا قات للتنمية والتوعية، بتمويل من منظمة كير العالمية، برنامجها "تعزيز المشاركة المجتمعية وبناء قدرات منظمات المجتمع المدني والمبادرات الشبابية والنسائية، وتفعيل أدوارهم في المجتمعات المحلية" عدة برامج تدريبية في مجال الحوكمة والمناصرة والتنمية المستدامة والنشاط السلمي والتي تهدف الى تعزيز مشاركة الشباب والشابات في المجتمع، وكانت مسك أحد هؤلاء الشباب الذين تم استهدافهم، لتكون قادرة على التواصل مع مجتمعها بشكل أفضل.
في وقت لاحق وفي إطار ذات البرنامج، قامت منظمة أجيال بلا قات، بتقديم عدة منح صغيرة لعدة منظمات، كانت جمعية كفاية الاجتماعية احدى هذه المنظمات.
استطاعت كفاية من خلال منحتها تنفيذ مشروعها "وسيطات السلام السمر" أن تعمل على بناء قدرات 20 من النساء المتعلمات من الفئة المهمشة على الوساطة وحل النزاعات، بهدف تحقيق مزيدا من اشراك النساء المهمشات في صناعة القرار في المجتمع، إضافة الى حل النزاعات المتعلقة بالمياه في مديرية القاهرة، والتنمر في المظفر، كما وفر المشروع بناء قدرات لفريق جمعية كفاية عن طريق تمكينهم في المجال المالي والإداري بهدف تسهيل حصولهم على تمويلات مستقبلا.
تقول مسك: " قبل تدخل المشروع، لم يكن لدى فريق جمعية كفاية المعارف الكاملة حول التخطيط وكتابة مقترحات المشاريع والتقارير واعداد الموازنات والتصفيات المالية، لقد حصلنا في جمعية كفاية على تأهيل بنيوي في جميع المجالات الإدارية والمالية جعلنا مستعدين لخوض أي مشروع والشروع بالتصفيات المالية والتقارير بسهولة ومهنية عالية، وهذا يجعلني مطمئنة كما يشعرني بالفخر".
على الرغم من الاعمال والادوار الحيوية الذي قامت بها مسك، وما تعرضت له من مخاطر كادت ان تودي بحياتها، ظل ذكرها وبصماتها في معزل تماما خارج اذهان الكثيرين في المجتمع المدني والحكومي، تماما كما هو الحال مع المجتمع الذي جاءت منه مسك.
ولإبراز أدوارها العظيمة التي كان لابد وأن تخرج للنور، وضمن ذات البرنامج حصلت من خلاله مسك على بناء القدرات، بالإضافة الى منحة، قامت منظمة أجيال بلا قات بإقامة فعالية نساء ملهمات، مستضيفة مسك الى جانب اخريات، ممن كان لهن الاثر في العمل المجتمعي، حيث استطاعت مسك أن تبرز ما قامت به خلال سنوات الحرب.
تقول مسك: "قبل صعودي للتحدث عن تجربتي، لم يكن المجتمع يعلم ماهي الأدوار التي قامت بها مسك المقرمي خلال سنوات الحرب الطويلة، إن مشاهدة اسمي على وسائل التواصل الاجتماعي، اعطاني شعور عظيم بالفرحة، كما ان تصنيفي كملهمة اعطاني قوة وعزيمة جديدين للمواصلة فيما انا فيه".
لقد كان صعود مسك على منصة نساء ملهمات الأثر الأبرز على حياتها الشخصية والعملية، فبعد صعودها على منصة نساء ملهمات، وعرض تجربتها، تم اختيارها لتكون عضوة في القطاع النسوي بملتقى تعز الجامع المساند للسلطة المحلية لتكون العضو الوحيدة من فئة المهمشين، في هذا الملتقى، كما أنها أصبحت ذات دور فاعل في حل العديد من النزاعات في المجتمع.
تقول مسك بسعادة: " ان اختياري لعضوية القطاع النسوي بملتقى تعز الجامع المساند للسلطة المحلية، جعلني أشعر بأني اقترب من حلمي في المشاركة في صناعة القرار"، "لقد ازداد ايمان المرأة المهمشة بمسك المقرمي اكثر من قبل".
تحلم مسك بأن تقل الانتهاكات ضد النساء المهمشات، وأن يكون هناك عدل تجاههن من خلال تأهيلهن في جميع مجالات الحياة خصوصا التعليم ليعشن حياة كريمة بسلام، بعيدا عن التسول في الشوارع، ومنع عمالة الفتيات المهمشات.