تمسك بالمبادئ، رغم شحة الإمكانات

تمسك بالمبادئ، رغم شحة الإمكانات
  

قذفت بهم الأعراف والتقاليد والتمايز الطبقي والعرقي خارج أسوار المجتمع، مجردين من أبسط حقوقهم الإنسانية، فهم لا يملكون شيء، سوى بشرة سمراء وعيون تذرف بألوان شتى من الغبن.

على مدى عقود من الزمن، ظل المهمشون في اليمن عُرضة لأنواع من التمييز الاجتماعي والاستغلال، والمزيد من التهميش لحقوق مواطنتهم، ومن ضمنها حق المشاركة في الحياة العامة، ليتم عزلهم في تكتلات بشرية منعزلة تماما عن المجتمع المحيط، ليعيشوا حياة منسية في كنف العزلة والحرمان حتى من ابسط الحقوق، الى جانب حرمانهم من الخدمات التي يحتاجونها للعيش كباقي المجتمعات المحيطة بهم، ومن ضمنها الخدمات الصحية.

مركز الوفاء الطبي، يقع هذا المركز في احدى الضواحي الغربية لمدينة تعز، ضمن تجمع يعد من أكبر التجمعات السكانية للمهمشين في تعز، واليمن، يطلق عليه "المدينة السكنية"، وبسبب ابتعادها عن مركز مدينة تعز، تم انشاء المركز، لغرض استقبال الحالات المرضية هناك.

أدت القوالب النمطية السلبية المتعلقة بالتمييز بين فئات المجتمع اليمني، الى تأصيل الانقسام الطبقي، لتصنف هذه الفئة تحت مسمى معين يعبر عن تمييز سلبي، الى جانب حصرهم على مهن محددة الامر الذي ساهم بشكل كبير في حرمانهم من الفرص الأخرى، وعلى الرغم من القوانين الدولية التي تجرّم التمييز العنصري، والقوانين المحلية النافذة التي تحرّم التمييز بين أفراد المجتمع اليمني، إلا أن المجتمع نفسه ساهم، منذ القدم في فرض الانقسامات الطبقية بين فئات المجتمع.

أدى النزاع المسلح الذي طال أمده، والتهجير القسري، وتدهور المؤسسات، والركود الاقتصادي إلى تفاقم الوضع المعيشي غير المستقر في البلاد، فضلا عن انعدام فرص العمل الذي أدى بدورة الى ارتفاع نسب البطالة في أوساط السكان، سيما الفئات الضعيفة، وعلى رأسها المهمشين.

يستقبل مركز الوفاء عددا كبيرا من الحالات التي تأتيه يوميا سواءً من "المدينة السكنية" أو المناطق المجاورة لها، كون المركز يقدم خدماته الطبية بشكل مجاني، عدا بعض الخدمات التي تقدم برسوم رمزية جدا، ويعتمدا في ذلك على الدعم الذ يتلقاه من المنظمات الإنسانية من حين إلى آخر، بالإضافة الى ما يجنيه من مبالغ يسيرة إزاء من يقدمه من خدمات، لا يتم دعمها من قبل المنظمات، والمتمثلة في الفحوصات الطبية، والمعاينات، بالإضافة الى الخدمات الطبية للنساء الحوامل والأطفال.

يقول فؤاد مدير عام المركز: "إن الانسانية المنغرسة فينا تجعلنا لا نمتنع عن تقديم الخدمات المجانية للأسر الأشد فقرا والتي تصل للمركز بشكل يومي حتى لو تطلب الامر منا دفع رسوم الخدمات التي قدمت مما نتقاضاه من رواتب صغيرة، وذلك لأن مكتب الصحة العامة والسكان في المديرية يطالب المركز بتوريد الرسوم الشهرية عن المركز، ولا يتهاون في ذلك، بسبب القوانين واللوائح المالية التي توجب توريد هذه الرسوم الى مواردها المختلفة، المحددة قانونا"

لقد بدأت الحرب في مدينة تعز مطلع العام 2015، لينتهي معها عمل اغلب مكاتب الوزارات في المحافظة، الامر الذي جعل حياة السكان تمر بفصول من المعاناة التي تزداد كلما ازداد امد الحرب. فقد تسبب توقف الخدمات الأساسية الى زيادة معاناة السكان، سيما المهمشين

ظل مركز الوفاء يعمل بكامل طاقته دون توقف طيلة السنوات الماضية دون دعم من الدولة التي توقفت مؤسساتها سيما "مكتب الصحة العامة والسكان" بفعل الحرب، ليواجه المركز مجموعة من المشاكل، ساهمت في توقف بعض الخدمات التي يقدمها، الامر الذي تسبب في معاناة كبيرة لمرتادي المركز، فانقطاع الكهرباء في المركز كان أبرز هذه المشكلات، ليعقبها توقف تام للمختبر، كما ان الخدمات التي تقدم للنساء، اوشكت على التوقف هي الأخرى، إذ أن توقفها يعتبر بحد ذاته معاناة تهدد أشد الفئات ضعفا "النساء".

يقول فؤاد: "يتعرض مركزنا لعدم الاهتمام والرعاية من الدولة، معتمدين في ذلك على تدخلات المنظمات، لكن تدخلات المنظمات مقتصرة على توفير أنواعا محددة من الادوية بالإضافة الى بعض التدخلات التي تعالج سوء التغذية وتقديم اللقاحات للأطفال".

بملامحه التي بدت حزينة، يسرد فؤاد قصة أحد المرضى الذين عانوا من توقف خدمات المختبرات في المركز: " لقد جاء متعبا جدا، فقد أصيب بنوع من الحمى الموسمية التي لابد أن يتم التعامل معها وفقا للمؤشرات التي في الفحوصات الطبية، والتي لابد من اجراءها بعناية ودقة من قبل دكاترة المختبرات، ولكن بسبب توقف مختبرات المركز، تم تحويله الى مختبر خارجي، ولأن المركز يقدم الدواء مجاناً، عاد الينا محضرا نتائج الفحوصات التي شخصت حالته بطريقة غير صحيحة، لتوضح اصابته بالتهاب. تم التعامل مع الحالة، وفقا لنتائج الفحص المقدم وإعطاء المريض الدواء المناسب مع النتائج الموضحة، الأمر الذي أدى الى سوء حالته بشكل خطير ليعود الينا وهو بحالة حرجة، ليتم القاء اللوم على المركز بأنه اعطى المريض الدواء الغلط، تم على إثرها نقله الى مستشفى أكبر في المدينة وتحمل تكاليف علاجه كاملة من قبلي انا شخصيا".

ولحسن حظ فؤاد وطاقمه العامل في المركز، وبتمويل من منظمة أجيال بلا قات، وفي إطار برنامج " تعزيز المشاركة المجتمعية وبناء قدرات منظمات المجتمع المدني والمبادرات الشبابية والنسائية، وتفعيل أدوارهم في المجتمعات المحلية" والممول من منظمة كير العالمية، نفذت جمعية المستقبل، مشروعها "صحة من أجل السلام المجتمعي"، ليتم من خلاله، تلبية احتياجات مركز الوفاء الصحي، والمتمثلة في تزويد المركز بمصدر للطاقة الكهربائية عن طريق الالواح الشمسية، ليتم أيضا شراء جهاز موجات فوق الصوتية لعيادة النساء والولادة في المركز ليعود للعمل مجدد بكامل طاقته التي كادت تتوقف بسبب تعطل الجهاز السابق، بالإضافة الى تزويد المختبر ببعض الأجهزة التي عملت على عودته للخدمة بعد توقف شبه كامل والتي كانت من أهمها ثلاجة لحفظ المحاليل المخبرية.

يقول فؤاد بسعادة: " قبل تدخل المشروع كان المركز يعاني من توقف المختبر والذي يعتبر أهم الأقسام فيه، انا أشعر الان بالرحة والاكتفاء معا بعدما عاد المختبر للعمل مرة أخرى، فمجرد حصولنا على ثلاجة في قسم المختبر، مكننا من الاحتفاظ بالمحاليل لفترات أطول وبكمية كبيرة، لذا لن نضطر لشراء المحاليل، بشكل مجزأ وسعر مرتفع كما كان الحال من قبل".

لقد عانى مركز الوفاء تهميشا كما هو حال الساكنين من حوله، ليصبح أمام خيارين لا ثالث لهما إما التوقف عن العمل أو الاستمرار بالمتاح الذي لا يكاد يلبي الخدمات المأمولة منه كمركز صحي يأتي اليه منهم اشد فقرا، دون علمهم بأن فقره أشد من فقرهم،

بعد ان كادت تتخلى عن العمل في المركز، عادت خولة لتقدم خدماتها بنشاط كما كانت من قبل، وعلى الرغم من انها لا تتقاضى راتب شهريا إلا انها مقابل عملها كطبيبة نساء وولادة في المركز، تقطع خولة مسافة تصل الى ثلاثة كيلو مترات يوميا، للوصول وتلبية احتياجات النساء في المركز.

تقول الدكتورة خولة: "لقد انتابني نوع من الإحباط الذي جعلني لا أطيق العمل، بسبب الحزن الذي أشعر به حينما أقف عاجزة أمام النساء التي تأتي إليّ طلبا للخدمة، لتعود منكسرة بعد أن يتم تحويلها الى مستشفى خارجي، كون أغلبهن لا تملك أجرة الذهاب الى مكان آخر، لكن الان اشعر بأن كل شيء على ما يرام خصوصا بعدما تم تزويد العيادة بجهاز الموجات."

يحلم فؤاد وخولة والطاقم العامل هناك، بأن يتم انشاء غرفة كبيرة للولادة والعمليات وتزويدها بالمعدات اللازمة للعمل، كون غرفة الولادة المتوفرة هناك صغيرة جدا ولا تكفي لاستقبال أكثر من حالة ولادة واحدة في نفس الوقت.

شارك :
التعليقات
التعليقات
  • لا يتوفر اي تعليق
اترك تعليقك
إرسال التعليق

اليمن – تعز (الفرع الرئيسي) – شارع الأجينات.

صنعاء- شارع حدة – مقابل كافية بالم.

إب - شارع تعز - جنب مستشفى الشفاء.

عدن - شارع المعلا

المخا - شارع الدائري

الحوبان - الى جانب مصنع البسكويت

ساعات العمل
  • الأحد - الأربعاء :
    08.00 صباحاً - 03.00 مساءً
  • الخميس :
    08.00 صباحاً - 02.00 مساءً
  • الجمعة - السبت :
    اجازة الأسبوع
اشترك معنا لتصلك اخر اخبارنا
تواصل معنا في السوشال ميديا