في اليمن البلد الذي يصنف بأنه من أشدّ الدول النامية ذات الاقتصاد المتدهور. في مقارنة لدخل الفرد في الدول العربية أشارت تقارير GRP و CIA بأن اليمن تحتل المرتبة الأخيرة بين هذه الدول إذ يبلغ دخل الفرد فيها حوالي دولار واحد في الوقت الذي تحتل قطر المرتبة الأولى وبدخل فردي قدره 93 دولار تقريباً.
أدى النزاع المسلح الذي طال أمده، والتهجير القسري، وتدهور المؤسسات، والركود الاقتصادي إلى تفاقم الوضع غير المستقر في البلاد فضلا عن انعدام فرص العمل الذي أدى بدورة الى ارتفاع نسب البطالة في أوساط السكان.
محمد (45) يعيش في احدى احياء مدينة تعز، مثقف ويحب الاطلاع والقراءة، يمتلك محمد روح الشاب الطموح المتفائل على الرغم مما يعاني من عجز في جسده المنهك بفعل تعرضه لوعكة صحية .
وفقًا للأدوار السائدة بين الجنسين في اليمن ، فإن الرجال هم العائل الوحيد للأسر وحاميها، يعد محمد هو المعيل الوحيد لأسرته وحاميها الأمين الذي لم يتوانى لحظة عن توفير احتياجاتها.
قبل العام 2003 كان محمد يمتلك حافلة أجرة لنقل الركاب داخل مدينة تعز، بحسب محمد كان وضعه المادي جيداً، كون الحافلة التي يمتلكها كانت بمثابة المصدر الذي يعيل من خلاله اسرته المعتمدة آن ذاك على الدخل الذي يأتيهم من حافلة أبيهم.
يؤدي الجهل بعواقب علاج الالام خصوصا آلام تشنجات الظهر بالطرق اليدوية التقليدية عن طريق الأصدقاء الى تضرر العديد من الأشخاص الذين آل بهم الحال إما الى الوفاة أو الشلل الكل أو الإعاقة، كان محمد احد هؤلاء الأشخاص المتضررين حيث تعرض لشلل كلي، جراء تشنج أعصاب ظهره نتيجة العمل لساعات طويلة على باصه.
يقول محمد: "لقد كنت اعمل بكامل نشاطي وفي لحظة ما أصبح نشاطي معدوما"، لقد لجأ محمد للعلاج الذي تطلب إجراء مجموعة من العمليات الجراحية التي كان يأمل بأنها ستعيده الى ما كان عليه لكن، آماله آلت الى مكب حسرته على صحته التي لم تعد كما كانت.
ليشرع في العلاج، اضطر محمد الى بيع حافلته الذي لا يملك غيرها، ليصبح بذلك دون مصدر للدخل ولا صحة تعينه على إيجاد مصادر للدخل يعيل به أسرته.
مثل زهرة ملونة تتكشف بتلاتها بأشعة الطاقة الإيجابية، أصبح لدى محمد رغبة ملحة للعودة والعمل، نبعت هذه الرغبة من احساسه الكبير بالمسؤولية تجاه نفسه اسرته، لذا قرر محمد أن يخلق لنفسه فرصة عمل تعينه على العودة للوقوف على قدماه المثقلة بمعناته مع ما ألم به، بتمويل بسيط جدا افتتح محمد كشك لبيع السجائر والماء وبعض الحلويات، بالقرب من مكان إقامته، حيث استمر في العمل في مشروعه الصغير سنوات طويلة.
"أسوأ أزمة إنسانية في العالم" هكذا اضحى الاسم الذي عُرف به اليمن بعد أن كان يُعرف بـ "اليمن السعيد"، بعد سنوات من الحرب التي طال أمدها، كان للنزاع في اليمن تأثير سلبيا على جميع سكانه، لقد تسبب النزاع المسلح في اليمن في مقتل وإصابة عشرات الآلاف من المدنيين إضافة الى تشريد آلاف العائلات من منازلها.
كحال جميع اليمنيين، وفور اندلاع الحرب ووصول المواجهات الى محيط الحي الذي يقيم به، كان لمحمد نصيبه من المعاناة، التي بدأت عندما قرر النزوح مع عائلته الى خارج المدينة، ليترك وراءه مشروعه البسيط حفاظاً على ما تبقى من حياته، وجميع اسرته. يقول محمد: "لقد أثرت علي الحرب بشكل أكبر مما أثرت علي إصابتي".
فقد محمد مصدر دخله الوحيد بعد أن وصل الى مكان غير مكانه ووضع غير وضعه السابق، بروحه المليئة بالمسؤولية بدأ محمد بحثه عن عمل يتناسب مع وضعه الصحي لكن لم يجد فجميع الاعمال يتطلب جهداً اكبر لكن حالته الصحية شكلت حاجزا أكبر بكثير، استمر محمد في النزوح مع اسرته الى العام 2018، وبعد أن انحسرت المواجهات في منطقته قرر محمد العودة الى منزله، وعاد.
إن العودة الى الأوطان أشبه بأن تكون ميلاداً جديداً وبداية لحياة جديدة تستحق أن تعاش لحظة بلحظة، موقف بموقف لنشعر بالجمال الذي تتلون به حياتنا المخبأة في جنبات المكان الذي يضمنا وسيضمنا مهما طال ابتعادنا عنه، شعور العودة يمنحنا الكرامة التي سلبتها الحرب منا، حينما اجبرتنا على الرحيل والهروب من موت الاجساد الى موت مختلف لا يمكن وصفه، إلا أنه "أشبه بالنزوح".
عاد محمد الى منزله ليستعيد ما فقده خلال فترة النزوح، فقرر العودة الى الكشك، لكن هذه المرة بدأ من جديد، بتمويل بسيط، وعزيمة قوية ومسؤولية أعظم افتتح الكشك الخاص به مرة أخرى وشرع بالعمل، لكن بسبب عدم توفر اغلب البضائع، لم يكن محمد راضيا عما كان يجنيه من ربح بسيط، علاوة على ذلك لازال محمد يعاني من اصابته الامر الذي يجعله لا يستطيع الوقوف طويلا، فهو يعمل بدوام جزئي يبدأ في الصباح وينتهي في الظهيرة، ليعود بعده الى البيت ليأخذ ما تبقى من يومه ليريح جسده المنهك.
بسبب تفشي فيروس Covid-19 في العالم، والتدهور اقتصادي بسبب أوضاع الحرب في اليمن، فقد الكثير من الناس دخلهم، الامر الذي جعل محمد أمام عقبة جديدة كادت ان تفقده دخله هو الآخر، لعلق قائلاً: " لقد تسببت الأوضاع الراهنة وغلاء الأسعار، ببعض الارباك في المشروع الخاص بي كوني ابيع بسعر واشتري بسعر مغاير تماما".
لحسن حظ محمد ، بتمويل من منظمة كير العالمية، نفذت منظمة أجيال بلا قات مشروع "تعزيز المشاركة المجتمعية وبناء قدرات منظمات المجتمع المدني والمبادرات الشبابية والنسائية وتفعيل أدوارهم في المجتمعات المحلية" والذي من خلاله حصلت مجموعة من منظمات المجتمع المدني والمبادرات الشبابية في محافظة تعز على منح صغيرة، لتنفيذ عدة مشاريع.
كانت مؤسسة انقاذ للتنمية إحدى المنظمات المستهدفة والتي بدورها نفذت مشروع في إطار التمكين الاقتصادي لأصحاب المشاريع المتعثرة، والذي كان محمد أحد مستفيدي هذا المشروع.
تمثل تدخل انقاذ في مشروع محمد بشراء السلع التي يحتاجها وبكميات كبير لتعزيز المردود المالي الذي يجنيه محمد من مشروعه، ليعبر لنا عن سعادته قائلاً: " لقد اعادت هذه المنحة النشاط لمشروعي الذي كاد ان يكون منعدما تماما.".
بعد حصوله على الدعم أصبح لدى محمد مصدر دخل مرضٍ يمكنه من العيش بكرامة في ضل ظروفه الصحية التي يعاني منها،
يختتم محمد: " أصبحت الان قادرا على تلبية جميع احتياجاتي اليومية واحتياجات اسرتي التي عانت طول السنوات الماضية بسبب مرضي والحرب وغلاء الأسعار، شكرا بحجم كل شيء جميل قدمتموه."