قبل ثلاث سنوات كان عائش- 50 عامًا- رجلا بشبه في وضعه وضع مئات الالاف من اليمنيين مستوري الحال، لديه اسرة يرعاها ولا يجعلها تحتاج لاحد. وحتى عندما نشبت الحرب لم يكن احدا ممن يعرفه يعتقد ان اسرة رجلا عصامي مثله ستقع ضحية لنيران لا شأن لهم بها، ولا تعنيهم من قريب او بعيد. في 2016 توسعت رقعت الحرب التي لم تنشب بسبب عائش، لكن ضررها وصل الى منزله المتواضع ليعكر اطمئنان اسرته الصغيرة، ويقذف بها الى الهاوية شأنهم في ذلك شأن مئات الالاف من الاسر في اليمن.
يقطن عائش واسرته في قرية الجديد بمديرية ذوباب محافظة تعز، ومنذ سنوات وهو يعمل على دراجة نارية هي كل سبيله لكسب رزقه. كان يعمل بدراجته كل يوم ولم يكن يعرف ان إحدى الأيام الأخيرة للعام 2016م ستكتب نهايته دراجته وقدميه ونهاية سعادة اسرته. كانت اليوم جمعة عندما مر بالدراجة على لغم أرضي بينما كان في طريقه إلى السوق لشراء السمك وأغراض مأدبة غداء تلك اليوم المشؤوم.
في ليلة وضحاها وجد عائش نفسه غير قادر على استقلال دراجته النارية، اداته للعمل وسبيل اسرته لكسب قوت يومها والمحافظة على كرامتها.
اخر ما يتذكره الرجل انه كان قد اقترب من السوق، وغير ذلك يشعر انها ليست اكثر من ثوان معدودة هي المدة التي قذفت به من على دراجته الى الفراش الذي فاق عليه مبتور القدمين ولا يرى الا بعين واحدة، واصبح جزء اساسي من عالمه بعد ذلك.
بعد سنوات من الجهد والعمل المتواصل صار الناس يعرفونه بدراجته، وبلحظة واحدة اصبح يعرف بالكرسي المتحرك الذي يساعده على التنقل في الجوار.
بعد تلك الحادثة الاليمة فقد الاب قدرته على العمل وتوفير قوت أولاده اليومي، إلا أن نجله البكر كان قادرا على تحمل المسؤولية فعمل بجهد مضاعف حتى يتمكن من إعالة اسرته وتوفير مصاريفهم اليومية مما يجنيه كصياد.
لم تقف مأساة الحياة عند عائش بهذا المنعطف، بل زاد الجرح إيلامًا عندما راح ولده وفلذة كبده ضحية لحادث مروري أواخر العام 2017.
تبدلت حياة أسرة عائش منذ الحادثين، ولم يعد بمقدورهم توفير قيمة قوت يومهم، وأصبحت حياتهم بائسة، لا تتحرك إلا بعجلة كرسي متحرك، بحسب وصف عائش.
وفي ظل الوضع المعيشي المزري الذي يعيشه الرجل وأسرته، تم استهدفهم من مشروع التحويلات النقدية غير المشروطة التي تنفذه منظمة أجيال بلا قات للتنمية والتوعية بدعم من صندوق التمويل الإنساني YHF، والذي جاء ليوفر لهم قوت يومهم ويمكنهم من شراء احتياجاتهم الضرورية.
يقول عائش: من هذا الحادث الأليم تبدلت حياتي رأسًا على عقب، ولم أستطع أن أتحرك لتوفير لقمة لأبنائي، والحمد لله، يسر الله لي ولدي يعول اسرتي من بعدي، ولكن الله أخذ أمانته بعد ما يقارب العام، يصمت برهة، يتنهد ويسقط دمعتين ثم يواصل: خسرت حياتي عندما بترت قدماي، ولم أعد قادرًا على التحرك، وذهب ولدي إلى ربه، وبعد ذلك وصل بنا الحال إلى أننا لم نجد ما نأكله ونسد به جوعنا.
يتابع: كنا نساير الحياة مسايرة حتى من الله علينا بهذه المساعدات من قبل منظمتكم، التي فرجت عنا الكربة ورفعت عنا البلاء، أسال الله أن يقيكم شر البلاء وكربه، وأن لا يريكم مكروه.
يقول عائش بأن قلبه اطمئن في توفير الطعام لأسرته، ويأمل أن يعالج عينه المفقودة، ويحصل على أطراف صناعية لقدميه، لعله بذلك يستعيد نصف ابتسامته، بعد أن فقدها كلها.