يمارس محمود الراجحي التصوير منذ أربع سنوات. قبلها كان يحلم أن يصبح مصوراً وأن يمتلك كاميرا ومعدات خاصة به، فالتصوير-كما يقول لـ”خيوط”- شغفه الدائم والحلم الذي ظل يراوده لسنوات. ومنذ أن امتلك معدات التصوير، خصص جزءاً من وقته لخدمة القضايا المجتمعية، ومؤخراً نشط، بشكل لافت، في التوعية بمخاطر فيروس كورونا.
لم يكن الراجحي (23 سنة) وحده من سلك هذا الدرب. فمع ظهور فيروس كورونا وانتشاره عالمياً، تداعى كثير من الشباب اليمني للمبادرة في التوعية بأهمية اتخاذ الإجراءات الوقائية، وكيفية التعامل مع المصابين، ونشر المعلومات والتحديثات التي تصدرها منظمة الصحة العالمية، مستخدمين المنصات المتاحة. وقد اتخذت هذه الجهود أشكالاً عديدة، كالمسابقات، والحملات الميدانية، وحملات الإعلان التوعوية عبر وسائل الإعلام والإنترنت، كما أنشئت مجموعات للتوعية في وسائل التواصل الاجتماعي.
مؤخراً فاز الراجحي بالمركز الأول في مسابقة للفيديوهات التوعوية القصيرة أطلقتها منظمة شبابية بغرض التوعية بفيروس كورونا. حمل الفيديو الفائز عنوان “هدية بابا” ومدته دقيقتان. تطرق فيه لقضية تهريب المسافرين من الحجر الصحي والكارثة التي كانت متوقعة الحدوث بسبب ذلك الفعل غير المسؤول.
أكثر من 100 فيديو توعوي خلال 20 يوماً
مطلع أبريل/ نيسان 2020، دعت منظمة “أجيال بلا قات للتوعية والتنمية”، عبر صفحتها في “فيسبوك”، الشباب ممن لديهم إمكانية إنتاج فيديوهات للمشاركة في مسابقة للتوعية بفيروس كورونا، وخصصت مبلغاً يصل إلى 2000 دولار، كجوائز للفيديوهات التي ستفوز بالمراكز الأربعة الأولى. بعد 20 يوماً، هي مدة المسابقة، كان لدى المنظمة 112 فيديو، نسبة 70% منها صالحة للنشر.
تفاجأت المنظمة من التفاعل الواسع للشباب مع المسابقة حسبما أفاد لـ”خيوط” مديرها التنفيذي فواز الخليدي. وأضاف: “دفعتنا الجهود المبذولة من قبل الشباب إلى استحداث مسابقة أخرى تشجيعية بقيمة 1000 دولار لـ15 فيديو آخر من التي استقبلناها في نفس الفترة”. غير أن المنظمة سوف تقسم الفيديوهات الـ15 إلى مجموعات، وتتيح لمتابعي صفحتها على “فيسبوك” المشاركة في التقييم واختيار الفيديو الفائز من كل مجموعة.
وأطلقت “أجيال بلا قات” المسابقة “ضمن استراتيجية للدفع بالنشطاء والشباب من أصحاب المواهب للمشاركة في التوعية وإيصال أفكارهم، وتقديم توعية قريبة للناس”، بحسب الخليدي.
وشارك في المسابقة شباب من 17 محافظة (عدد المحافظات اليمنية 22) بما فيها الجوف وريمة وصعدة، وهي محافظات معروفة بافتقارها للخدمات، وبرداءة خدمة الإنترنت فيها.
يقول محمود الراجحي لـ”خيوط”، إن “إنتاج الفيديوهات وخاصة التوعوية ليس أمراً سهلاً، لأنه يجب عليك أن تأتي بفكرة تكون قادرة على جذب اهتمام الناس حتى يصلهم كل ما تريد أن تقوله”، ويضيف: “لكنني بمجرد أن قرأت إعلان المسابقة قلت: حسناً.. هذه فرصتي ولن أفوتها، ولحسن حظي كانت الفكرة جاهزة”.
بعد الانتشار السريع لفيروس كورونا ووصوله إلى دول مجاورة، بدأت السلطات في اليمن باتخاذ بعض الإجراءات من أجل محاولة منع الفيروس من الدخول للبلد، من ضمنها إغلاق المطارات والمنافذ البرية والبحرية، ووضع العائدين من خارج البلاد في حجر صحي لمدة 14 يوماً.
“بمجرد سماعنا عن الحجر الصحي للعائدين من الخارج، بدأنا نسمع قصص تهريب المسافرين من الحجر، ودفع مبالغ مالية مقابل ذلك، حينها كان ذلك الفعل هو الخطر الحقيقي على البلد”، قال محمود واصفاً كيف خطرت له فكرة الفيديو، مشيراً إلى أن الفكرة كانت أن يصنع فيديو عن هذه المخالفات الكارثية، التي سيتضرر منها المجتمع، بدءاً من أسرة الشخص نفسه وصولاً إلى المجتمع كله.
قبل أن يشارك الراجحي في المسابقة أو يعرف عنها، كان اتخذ القرار بإنتاج فيديو توعوي عن هذه القضية. يقول: “كنت فقط أشعر بقليل من الإحباط عندما أفكر بأن الفيديو لن يصل إلى عدد كبير، فقد كنت أنوي نشره في حساباتي على منصات التواصل الاجتماعي، وبقيت أفكر بطريقة تجعله يصل إلى أكبر عدد ممكن من المهتمين حتى تصل الرسالة”.
علم محمود عن المسابقة من صديق له عبر تطبيق الواتساب، ومن فوره بدأ الاشتغال على الفكرة، وقد ساعده في إنجاز الفيديو أصدقاء آخرون. وفي اليوم التالي أخذ أدوات التصوير وبدأ بإعداد الفيديو، الذي فاز بالمركز الأول.
فازت 3 فيديوهات أخرى في المسابقة، وجاء في المركز الثاني فيديو “أنيميشن” توعوي عن أهمية الحجر الصحي وضرورة اتخاذ إجراءات الوقاية، وفي المركز الثالث، فيديو عن شخص مشهور على منصات التواصل الاجتماعي ينشر فيديوهات يومية يستهتر فيها بالإجراءات الوقائية، ثم يصاب بالفيروس، ليعود بعدها للاعتذار والتحذير ويطلب من الناس عدم الاستهتار، وفي المركز الرابع، فاز فيديو “موشن جرافيك” لثلاثة شباب قدموا فيه نصائح من أجل استغلال الوقت أثناء الجلوس في المنزل خلال فترة الحجر.
المسؤولية مشتركة
“مع استمرار الحرب منذ أكثر من 5 سنوات، لم يعد لهذا الشعب غير أبنائه”، يقول لـ”خيوط” أيمن الهتاري الفائز بالمركز الثاني في المسابقة ذاتها. ويضيف: “بتكاتف الجميع نستطيع تجاوز هذه الفترة العصيبة بأقل الأضرار الممكنة، فكل الجهود تحدث فارقاً مهما كانت صغيرة، والتوعية مهمة كوننا نستطيع تجنب الإصابة بفيروس كورونا أو نقله، بالتزامنا بالإجراءات الوقائية”.
يعمل أيمن الهتاري (35 سنة)، في صناعة الأفلام وفيديوهات الأنيميشن (الرسوم المتحركة)، ويحاول استغلال إمكانياته من أجل التوعية بفيروس كورونا.
ويرى الهتاري أن المسؤولية ينبغي أن تكون مشتركة: “فهذا البلد بلدنا جميعاً، ويجب أن ننجو من هذه الفترة العصيبة معاً”.
وقبل دخول فيروس كورونا إلى اليمن، كانت البلاد تعاني بالفعل من أسوأ أزمة إنسانية حول العالم. انتشرت أمراض وأوبئة خطيرة وفتاكة مثل الكوليرا والدفتيريا وحمى الضنك، أدت إلى وفاة الآلاف خلال السنوات الخمس الماضية، فيما تشير إحصائيات صادرة عن الأمم المتحدة في 2019، إلى أن الحرب أدت إلى نزوح أكثر من أربعة ملايين يمني.
وكانت تقارير سابقة لمنظمة الصحة العالمية تحدثت عن انهيار النظام الصحي في اليمن، وخروج ما يقارب 60% من المنظومة الصحية اليمنية عن الخدمة بسبب استمرار الحرب، وتعرض عدد كبير من المرافق الصحية للقصف والتدمير.
توعية قريبة من الناس
في رمضان الفائت، ظهرت في شوارع مدينة تعز لوحات إعلانية توعوية بلهجة محلية مقتبسة من أمثال شعبية مشهورة. أثارت هذه اللوحات جدلاً في الشارع، واستطاعت أن تجذب انتباه أهالي المدينة، حتى أن الجدل حولها امتدّ إلى وسائل التواصل الاجتماعي، وتناولتها وسائل إعلام مقروءة ومرئية.
في إحدى هذه اللافتات تظهر صورة لفتاة ترتدي كمامة وقفازات وهي تلوح بيدها كما لو أنها تريد إيقاف شيء ما، وإلى جانبها كُتبت عبارة مستوحاة من مثل شعبي تقول: “باب يجي منه كورونا، سدّوه وريحونا” في إشارة إلى ضرورة الالتزام بالإجراءات الوقائية.
وفي لافتة أخرى يظهر رجل وهو يرتدي كمامة وقفازات وبيده عصا خشبية (صَمِيل باللهجة المحلية)، وإلى جانبه عبارة مستوحاة من مثل شعبي أيضاً تقول: “كورونا، صَابِحُه قبل ما يُصابِحك“، وهو مثَل يتشابه في معناه مع المثل المعروف: “تغدّاه قبل أن يتعشّاك”، وعبارة أخرى تقول: “التزامك بطرق الوقاية من فيروس كورونا حماية لك وللمجتمع“.
وعلى نفس النمط، انتشرت لوحات كتب عليها: “الوقاية العلاج كله“، مع صورة لطبيب يرتدي كمامة وقفازات، “الحذر ولا الشجاعة” مع صورة لرجل مسن يرتدي كمامة وقفازات، “كورونا ما يرحمش” مع صورة لشابة ترتدي زياً محلياً وتحاول ضبط الكمامة بالطريقة السليمة على وجهها، و”ابعد عن كورونا وغني له“، مع صورة لشاب يعزف على الجيتار ويرتدى الكمامة.
ويرى محمد المجيدي، مدير مؤسسة “تكوين” للخدمات الإعلانية في حديث لـ”خيوط”، أن حملات التوعية تختلف عن الحملات الإعلانية التجارية في أنها تتطلب الاقتراب من المجتمع ومخاطبته بلغة يفهمها. فيما فعل التوعية بمخاطر فيروس كورونا بالتحديد، يتطلب أن “تجعل الناس يتخذون فعلاً معيناً أو يتجنبون فعلاً آخر في أسرع وقت ممكن”، حسب المجيدي.
تشاركت في إطلاق هذه الحملة ثلاث جهات، قطاع خاص، مجتمع مدني، وجهة حكومية، حيث تكفلت مؤسسة “تكوين” للخدمات الإعلانية بتصميم المواد الدعائية، ومولت منظمة “أجيال بلا قات” تكاليف الطباعة والعمل الميداني، فيما تكفل مكتب الصحة العامة والسكان في تعز، باستخراج التصريحات الرسمية وتوفير المساحات الإعلانية المناسبة.
وبينما يبدو من الواضح أن السلطات الرسمية في اليمن، فقدت بوصلة التدابير المناسبة لمواجهة انتشار فيروس كورونا في الداخل، ولم تستطع إدارة ملف الحجر الصحي للعائدين من الخارج رغم قلتهم مقارنة بدول أخرى، بالإضافة إلى تخبطها في إدارة الأزمة بشكل عام، خرج شباب كثر بمبادرات توعوية مكثفة كخيار فعّال في المواجهة. غير أن السؤال يبقى: هل التوعية وحدها كافية لمواجهة الوباء؟
المادة نقلا عن موقع منصة (خيوط) للكاتب صامد السامعي