تشبث بالعودة للنور

تشبث بالعودة للنور

ينتاب بعض الإباء والامهات نوع من القلق حول حالة أطفالهم حديثو الولادة خصوصا في اول مرة ينجبون فيه طفلاً، ولهذا فإن من أعظم اللحظات في الحياة هي المرة الأولى التي يفتح فيها الأطفال حديثو الولادة أعينهم، ليتواصلوا بها مع من حولهم. عن طريق الرمش بأعينهم، التي يقتصر النظر فيها على اللونين الأبيض والأسود. ومع نموهم يبدوا بتمييز الألوان بشكل تدريجي، ليطلقوا معها الكثير من الابتسامات التي تثير طمأنينة الإباء والامهات على صحة البصر لدى أطفالهم.

إن الحياة الاجتماعية للكفيفين مليئة بالصعوبات والتحديات. فهم يعانون من عدم قدرتهم على مشاهدة الأشياء من امامهم. غالبًا ما يتعرض الكفيفين لمخاطر الحوادث، مما يجعلهم ينقطعون عن ممارسة الحياة كغيرهم من المبصرين، الامر الذي يجعلهم يعيشون في ضغوط نفسية كبيرة، لذا يلجأ الآباء إلى عزلهم عن البيئة الخارجية، لتجنب التفاعل الاجتماعي معهم، خوفا مما قد يواجه هؤلاء الأبناء من مواقف محرجة أو خطيرة.

تيسير فتاة كفيفة تبلغ من العمر 26 عاما، تعيش في محافظة تعز، جنوب غرب اليمن، في التاسعة عشر من عمرها فقدت تيسير البصر تماما، لتصبح بذلك كفيفة، لا ترى الأشياء كما اعتادت، في سنواتها التسع عشر الماضية، ليبدأ فصل معاناتها المعتق بالظلام.

كان للنزاع في اليمن تأثير سلبيا على جميع السكان، لقد تسبب النزاع المسلح في اليمن في مقتل وإصابة عشرات الآلاف من المدنيين إضافة الى تشريد آلاف العائلات من منازلها، هربا من الموت الذي يهدد حياتهم، وكحال هذه الاسر اضطرت تيسير وعائلتها الى ترك منزلهم في مدينة تعز، والنزوح الى قريتهم، علهم يحافظون بهذا على حياتهم التي أضحت غير مستقرة تماما، مع اندلاع اول شرارة للنزاع في اليمن.

"لقد حافظت عائلة تيسير على حياتها، لتفقد بذلك تيسر "حياتها" التي سلبت منها في اللحظة التي فقدت فيها البصر"

مع وصول المواجهات الى القرب من منطقتها، اضطرت عائلة تيسير الى مغادرة منزلها متجهة الى قريتهم البعيدة عن مدينة تعز، ادى عدم توفر الدواء الخاص بحالتها في منطقة نزوحهم، وبعد المسافة بين قريتها ومدينة تعز، الى توقف تيسير عن تناول الدواء الذي يخفف عنها ضغط العين "مرض يصيب شبكية العين"، الامر الذي أفقدها البصر.

لقد عانت تيسير في بداية اصابتها بشكل كبير، كونها لم تخلق معها، ولكن أتتها مؤخرا لتحول حياتها من النور الى الظلام الدامس، الذي راحت ضحيته أحلامها الصغيرة، مشكلة بذلك كتلة من المشاعر المعتمة.

تقول تيسير: "في بداية إصابتي، قررت الانخراط في الحياة، ذهبت لإحدى مدارس تعليم القرآن الكريم، فحدث وأن ركلت احدى الكراسي برجلي، هذا الامر جعلني التزم الجلوس في المنزل، حبيسة حزن وبكاء شديدين، وشعور بالقلق والتوتر والخوف من المستقبل المظلم الذي سيواجهني، فأنا لم اعتد على عدم الرؤية من قبل".

يواجه الكثير من ذوي الاحتياجات الخاصة مزيدا من التهميش لأدوارهم في المجتمع، والذي ربما يبدأ من المنزل، ثم المدرسة، ثم المجتمع ككل، ليتجه بهم الحال الى تقييد حركتهم الفكرية والجسدية معا.

لم ترضخ تيسير للحالة التي مرت بها، معلنة بذلك بداية عهد جديد لحياتها التي عادت للنور مجدداَ، فور ايمانها بنفسها وقوتها على مواجهة اصابتها بعزيمة صلبة، صنعت من العوائق امامها سلما صعدت به الى النجاحات،

تقول تيسير: "لقد تعثرت كثيرا بخطواتي ولكن مع كل خطوة كنت اقف مجدداً مواصلة طريقي"، "لقد كانت العثرات مصدر قوة بالنسبة لي"

بعزيمتها الصلبة وبدعم اسرتها التي تم تتوقف عن تشجيعها، قررت تيسير استعادة ما سلب منها، وتكمل تعليمها الجامعي، لتحصل بذلك على درجة البكالوريوس في اللغة الإنجليزية من جامعة تعز، وتصبح معلمة للغة في احدى المدارس الخاصة بالمكفوفين.

لم تتخلى تيسير عن امنياتها المنشودة، كانت امنية تيسير أن تتعلم الكمبيوتر ومهاراته، فهي تحلم بأن تعمل في مجال الإدارة، ولكن بسبب قلة الإمكانيات لدى اسرتها، وعدم توفر فرص لتعليم الكمبيوتر للمكفوفين، لم تتمكن تيسير من الوصول لأمنيتها.

لتصل تيسير الى امنيتها، برفقة عدد من زميلاتها الكفيفات، قدم المنتدى الشبابي لذوي الاحتياجات الخاصة، مشروعه "الحاسوب الناطق"، بدعم من منظمة أجيال بلا قات للتنمية والتوعية، والذي يأتي في إطار برنامج "تعزيز المشاركة المجتمعية وبناء قدرات منظمات المجتمع المدني والمبادرات الشبابية والنسائية وتفعيل أدوارهم في المجتمعات المحلية"، الممول من منظمة كير العالمية.

تقول تيسير: "كنت فاقدة للأمل في تحقيق هذه الأمنية قبل تدخل أجيال بلا قات والمنتدى الشبابي"، "انا اشعر الان بأن لا مستحيل سيواجهني مجدداً".

لقد لبى المشروع تطلعات تيسير في الحصول على مهارة التعامل مع الحاسب الآلي، لتصبح بذلك قادرة على التعامل مع الحاسوب بمهارة تماما كأنها مبصرة. فقدت أضاف المشروع مهارة جديدة الى مهارات تيسير، لتصبح بذلك معلمة للحاسوب للمكفوفين، في المدرسة التي تعمل بها.

  
شارك :
التعليقات
التعليقات
  • لا يتوفر اي تعليق
اترك تعليقك
إرسال التعليق

اليمن – تعز (الفرع الرئيسي) – شارع الأجينات.

صنعاء- شارع حدة – مقابل كافية بالم.

إب - شارع تعز - جنب مستشفى الشفاء.

عدن - شارع المعلا

المخا - شارع الدائري

الحوبان - الى جانب مصنع البسكويت

ساعات العمل
  • الأحد - الأربعاء :
    08.00 صباحاً - 03.00 مساءً
  • الخميس :
    08.00 صباحاً - 02.00 مساءً
  • الجمعة - السبت :
    اجازة الأسبوع
اشترك معنا لتصلك اخر اخبارنا
تواصل معنا في السوشال ميديا